18 مارس 5 أسرار حتى تبدو عبقريًا وإن لم تكن كذلك
“إذا كُنت لا تعرف وجهتَك؛ فكُل الطُرقِ سواء.”
لمْ يقُلْ هذه العبارة شخصٌ تائِه في دهاليز حي المعادي، الحقيقة أن قائِل العبارة ليس بشريًا، هو قط يعتلي شجرةً في غابةٍ خياليّةٍ تتكلم فيها الحيوانات بطلاقةٍ إلى الفتيات التائِهات ذوات الضفيرات المجدولات. هي قصة “أليس في بلاد العجائب” إذا خانتك الذاكرة.
كُل الشركات في العالم تسعى إلى الصدارة -كلمة نمطيّة تقرأها على غلاف الكتب المدرسيّة وتنساها مع أول قطمة من شطيرة جبن-، “أليس” كغيرها تسعى للمُغامرة واستكشاف العالم، لكنها لا تدري أي الطرق تسلك.
أي الطرق تسلك لتحقق حلم الصدارة؟
ستسمع الكثير عن “طارد حلمك“، هذا يجعل حلمك مجرد حرامي غسيل جبان، ستقرأ الكثير أيضًا عن “الإرادة هي مفتاح النجاح” وكأنها عبارة سريّة مُخبأة في معابد التبت، الكل يعرف أن الإرادة مفتاح النجاح، ماذا بعد الإرادة؟ الكثير من الأموال تنفقها لتعرف ما بعد الإرادة؛ لتكتشفَ أن ما بعد الإرادة حافظة خاوية من الأموال وإرادة تائهة البوصلة.
في هذا المقال سنكشف لك -مجانًا- خمسًا من أسرار النجاح، وكما جرت العادة.. الرابعة ليست مهمة للدرجة.
السر الأول:
“كان جائعًا فتوجه إلى أقرب ملعب تنس!”
لن تجد جائعًا يطرق باب متحف، إلا إذا كان متحف أشهر المأكولات في العصر الفيكتوري، وسيكون باردًا.
تأمل قليلًا ما يحتاجه العملاء، ما لمْ يقدمه غيرك بعد، ما قدمه غيرك بجودةٍ أقل، ما زال هنالك عملاء يبحثون عن غايتهم ولم يجدوها بعد. هم عملاؤك أنت.
هذا ما فعلناه في شركة البدري للمصنوعات الخشبيّة، كان هناك فريق للتخطيط يشرب الكثير من القهوة يوميًا، يعقد جلسات مُطولة مع فريق التسويق، يفكرون “كيف يفكر العميل؟ إلى أين يقوده تفكيره؟ هل وجد ضالته؟ لا؟ إذًا لنصنعها له.”
كل 23 دقيقة يفكر أحدهم في مشروعٍ ما، يفكر: ماذا سأنفق؟ ما العائد؟، ثم بعد شهرين أو أقل يجد أنه ينفق فقط. أين أموالي؟! أين ما يريده العميل؟ هل وفرته؟ هل قدمت ما لم يقدمه غيرك؟ لا.
السر الثاني:
“مما لا شك فيه أن ما نقدمه هو الأفضل على الإطلاق مما تفتق عنه الخطة الخمسية الآتية..”
لسنا بصدد كتابة موضوع تعبير فقير ونحن نكتب عما أراده العميل مننا في شركة البدري للمصنوعات الخشبية.
الأفضل لمْ يأتْ بعد، وحالة التمام والاكتمال التي ينعت بها البعض منتجه هي حالة زيف. لسنا الأفضل.. هذه حقيقة ننطلق منها إلى سرد السر الثاني.
ما أراده العميل مننا هو منتج عملّي يؤدي الكثير من الوظائف في آن واحدٍ، ولأن المنتج عملي يجب أن يًصنّع من مواد تستوعب التصميم والتشكيل وتحتمل أيضًا عوامل الزمن وجور الحدثان -كما يقول شعراء الجاهلية-.
هل نسينا جمال التصميم؟ بالطبع لا، العين عميل شديد المراس صعب الإرضاء.
ما أراده العميل منّا؛ منتج عمليّ جميل التصميم، من مواد قوية وسهلة التشكيل.
هذا دفع فريق المشتريات إلى البحث في آخر ما اُستخدم من مواد تصنيع، وبرفقة الفريق الهندسي قرروا استخدام مواد مثل:
CPL – PVC – HPL
هذه مواد لم يسمعْ بها السوق المصري من قبل، السوق الذي اعتاد سماع “الزان والكونتر” فقط كمواد “تعيش سنين”، ولكنها عنيدة لا تستجيب للمُصمم في معظم أفكاره.
السرّ الثالث:
“كان يوّد أن يغزو العالم، لكن مسلسل التاسعة بدأ؛ فأجّل خططه للعالم القادم”
آفة حارتنا الكسل، ليس النسيان كما قال شيخ الأدباء نجيب محفوظ، الجميع ينسى، ينسى موضة هذا العام وينتظر موضة العام المُقبل، ينسى كم كان منتجك جميلاً لأنه رأى الأجمل، لكن الكسل هو آفتنا، أنت تكتفي بمنتجك وطريقة تصنيعه وتكلفة إنتاجه، لا تبحث عن الجديد، ربما نشاطك حدوده أن ترى تصميمًا جديدًا في تركيا؛ فتنفذه بشكلٍ مُشوه لأنه ليس تصميمًا أصيلًا. ليس تصميمك أنت، لم تملك مفتاح إنتاجه كما لو كان منتجك أنت. نتخرج زائفًا كمهاجر بنغالي يقدم شطائر الفلافل في وادي حوف.
التكاسل في البحث عن الجديد في الخامات، الجديد في احتياجات العميل، العميل الذي يسارعه الزمن بأحدث التقنيات لن يقف عندك بعاداتك الإنتاجية القديمة.
تقول لنفسك: ولكني أبيع! ما زال العملاء يطلبون منتجاتي.
نعم، لأن الجديد ليس رائجًا بعد، مثل الفيس بوك الذي بدأ عام 2004 وانتشر عام 2008، حينها كانت بقية المنصات تقول “ما زال الناس يتزاحمون على ناصيتي، ليس هنالك خطر.” أين هم الآن؟ لا نتذكر أسمائهم حتى.
المنتجات المعتادة القديمة لها سوق يتزاحم فيه الكثير، والكثير يزيد ويزيد، لأن الكسل في فهم العميل واحتياجاته غالب، وفي لحظة لن تجد إلا الفتات ما تبقى لك.
السرّ الرابع:
“باريتو الذي جعل كل شيء مُمكنًا”
باريتو هو اقتصادي إيطالي كان يجلس في شرفته يحتسي قهوته -لأن كل القصص الجيدة تبدأ باحتساء القهوة في شرفة المنزل-، لاحظ أن 80% من الأراضي يملكها 20% من الشعب الإيطالي، كان هذا في عام 1896، نشر هذه الملاحظة في جامعته وعكف عليها الباحثون وطورّوها إلى لحظتنا هذه، تغيرت استراتيجات الكثير من الشركات العالمية تسويقيًا وإنتاجيًا وفقًا لهذه النظرية.
النظرية يمكن تطبيقها في حياتنا اليوميّة، يمكنك ملاحظة أنك تبذل 80% من مجهودك لتنفيذ 20% من المهام، 80% من وقتك تقضيه مع 20% من معارفك، تنفق 80% من دخلك على زوجة واحدة مثلاً. تبذلين 80% من مجهودِك في مهمة الطبخ وحدها.
لكن ما يعنينا أن 80% من أرباح الشركات يأتي من 20% من العملاء. لكن الكسل -راجع السرّ الثالث- يهيء لنا أن 80% من العملاء يحققون لنا 100% من الربح. وهذا ما يدفع الكثيرين إلى إنتاج الرائج والذي اعتاده الناس أو يخفض السعر على حساب الخامات ليشتريه الكثيرون، لكنه يتفاجيء أن ما خطط له فشل.
اخترْ شريحة الـ 20% جيدًا، ركز عليها خطط تسويقك، تعرّف على احتياجاتهم بشكل أعمق، اصنع لهم المنتج الذي يلبي هذه الاحتياجات، وانتظر النتيجة. هي استراتيجية تستحق التأمل ثم التنفيذ. ادرسها على أي حال.
باريتو كان رائِعًا دقيق الملاحظة، لكن فاته أن البعض يبذل 20% من الجهد ويحقق 0.0001% من الربح، ولكن -للتوثيق- كان يخطط لتحقيق 80% من الربح. لكن لم تأت العواقب سليمة.. لا نعرف السبب حتى الآن.
السرّ الخامس:
“أوصيك يا بني بثلاثة: لا تجادل، لا تكابر، لا تأكل برجر ثمنه أقل من 50 جنيهًا”
إذا سألتني عن قصص النجاح سأحكي لك الكثير مما يرويه الأصدقاء، الجميع نجح، لا أحد يفشل، لا أحد يقصّر في عمله، الجميع يؤدي عمله ببراعة منقطعة النظير. لكنها قصص معظمها زائف. لا أحد يحكي أنه يخاف من القطط، لا أحد يتباهي بأن بكاء الأطفال يدفعه لقطع أذنيه. الجميع عبقري لا يشق له غبار.
لكن حقيقة الأمر أننا نقصّر، نرتكب الأخطاء بين الفينة والأخرى. وعندما راجع المديرون النسخة الأولية من هذه السلسلة لم يعدلّوا هذا الجزء، الجميع معترف بالأخطاء والتقصير.
التعامل مع الحقائق بواقعية يدفعك أن تتعامل بمنهجٍ منظم قابل للتصحيح، مرن، هناك شكاوى لعملاء عن استلام منتج بمواصفات غير التي طلبها. لن ننكر، لن نوهمه “أنت الذي طلبت، ربما كنت تحت تأثير عقار ما!”، هناك منظومة مرنة تتحرك تجاه حل المشكلات على تنوعها. مشكلات لابد من حدوثها. مشكلات لابد من الاعتراف بها. مشكلات لابد من حلها.
الثقة التي يكتسبها العميل ليس مسببها أنك “عبقري معصوم من الخطأ”، بل مسببها خدمة ما بعد البيع، خدمة قائمة على “نأسف على العطل، سنعمل على الحل فورًا”.
منظومة البيع عند البعض تنتهي عند توقيع العميل التعاقد، ليس مهمًا أن يتأخر التسليم، أن يتعاقد العميل على غرفة طعام ويستلم بوكيه ورد، سيتعاقد ويدفع ثم يحلّها الحلال.
نحن نعترف بأخطائنا، ولا نكتفي بالاعتذار، نعمل على الحل فورًا، هناك عميل قدم شكوى لنا في التاسعة صباحًا، تم حلها في الواحدة ظهرًا في نفس اليوم. صحيح أننا تلقينا 3 شكاوى خلال عام ونصف العام، لكنها شكاوى ننظر لها بجدية، شكاوى كاختبارات ثقة لنا، نتمنى أن نكون تجاوزناها بنجاح.
هذه بعض أسرار النجاح التي اتبعناها، لذلك نحن معكم منذ عام 1932.
ولثقتكم قلوبنا تطرب.
No Comments